مفسدات الصوم
قال -تعالى-: "يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ"[البقرة: 183[.
والصوم هو: التعبد لله -تعالى- بترك المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وهذه المفطرات ترجع إلى أصول ثلاثة هي: الأكل، والشرب، والجماع.
وهي على سبيل التفصيل:
1- الأكل: وهو إيصال شيء جامد إلى الجوف من طريق الفم، سواء كان مغذياً كالتمر، أو غير مغذ كالتراب والحصى.
2- الشرب: وهو إيصال شيء مائع إلى الجوف من طريق الفم، وهما من المفطرات بالإجماع.
قال الله -تعالى-: "وَكُلُوا وَاشرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ مِنَ الفَجرِ"[البقرة: 187[.
3- السَّعوط: وهو إيصال شيء إلى الجوف من طريق الأنف فهذا مفطرº لأن الأنف منفذ إلى الجوف كالفم.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للقيط بن صبرة "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً"أخرجه مسلم.
ولا يعلم لهذا النهي علة إلا خشية دخول الماء من الأنف إلى الجوف عند المبالغة.
4- الاحتقان: إيصال شيء إلى البدن من طريق الدبر وتسمى الحقنة الشرجية.
وهي مفطرة لأنها تصل إلى الجوف ويمتصها الجسم عن طريق الأمعاء، فينتفع بها كالطعام والشراب.
ويرى بعض أهل العلم أنها لا تفطر، ولكن الراجح الأول.
5- القيء: وهو تعمد إخراج ما في المعدة من الطعام.
وهو من المفطرات عند عامة أهل العلم.
ودل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض" أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وقال: عليه العمل.
والحكمة والله أعلم من كون الاستقياء مفطراً هي: أن الصيام مضعف، وإخراج الطعام مضعف للبدن، فمنع منه حتى لا يجتمع مضعفان.
6- الاستمناء: وهو استدعاء خروج المني بنحو لمس، أو ضم، أو تقبيل، أو تكرار نظر، أو استحضار تفكير، ونحو ذلك مما يدخل تحت اختيار المرء. وهو من المفطرات عند عامة أهل العلم.
قال ابن قدامة: يفطر به الصائم بغير خلاف نعلمه.
ولعموم حديث "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" متفق عليه ولأن الاستمناء شهوة تحلل البدن فأفسد الصيام كالجماع.
7- الجماع: سواء حصل معه إنزال، أو لا.
وهو أعظم المفطرات وأشدها لأنه يوجب مع القضاء الكفارة المغلظة: وهي عتق رقبة، أو صيام شهرين، أو إطعام ستين مسكيناً على الترتيب باتفاق العلماء.
ودل على ذلك قوله -تعالى-: "أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم" [البقرة: 187[.
ولحديث الأعرابي المشهور: "أعتق رقبة".
لكن لا تجب الكفارة إلا إذا كان ذلك في رمضان خاصة، وكان الشخص ممن يلزمه صيام ذلك اليوم.
8- الحجامة: وهي إخراج الدم من البدن للتداوي. وفيها خلاف طويل لأهل العلم.
فذهب أكثر فقهاء الحديث والحنابلة إلى أن الحجامة تفطر. وحجتهم في ذلك:
حديث شداد بن أوس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فطر الحاجم والمحجوم" رواه أبو داود والترمذي وأحمد، وقال البخاري هذا أصح ما في الباب.
وقال شيخ الإسلام (الأحاديث الواردة فيه كثيرة قد بيّنها الأئمة الحفاظ، وكره غير واحد من الصحابة الحجامة للصائم. وكان أهل البصرة يغلقون حوانيت الحجامين، وهو مذهب أكثر فقهاء الحديث، وهم أخص الناس باتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-.
9- خروج دم الحيض والنفاس: تفطر به المرأة اتفاقاً لحديث "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟"رواه البخاري.
10- نية الفطر: فلو أن شخصاً نوى قطع الصيام بالأكل أو الشرب، لكن لم يحصل منه شيء، بطل صومه لقطع النية.
ما لا يفسد الصوم:
هناك أشياء لا تفسد الصيام:
1- من فعل شيئاً من المفطرات السابقة غير الحيض والنفاس- ناسياً فلا شئ عليه وصومه صحيح، لحديث "من نسي فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" متفق عليه. لكن متى ما ذكر أو ذُكرّ أمسك.
2- ذرع القيء: وهو القيء غير المتعمد لا يفطر به الصائم اتفاقاً لحديث "من ذرعه القيء فلا قضاء عليه"وسبق.
3- الاحتلام: وهو ما يراه النائم ويحصل معه إنزال. لا يفسد الصوم لأنه لا يقع تحت اختيار المرء ويشق التحرز عنه. والأصل صحة الصيام.
4- الكحل: لا يحصل به الفطر على الصحيح لأنه ليس بأكل ولا شرب، والعين ليست منفذاً إلى الجوف، ومثله القطرة في العين.
5- السواك: لا يحصل به الفطر لحديث عامر بن ربيعة "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لا أحصي يتسوك وهو صائم" أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه.
6- التقبيل: والمس الذي لا يحصل معه إمناء ولا إنداء فهذا لا يفسد الصوم.
لحديث عائشة الصحيح قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه" أي حاجته ووطره.
7- خروج المذي: وهو ماء أبيض رقيق يخرج مع اشتداد الشهوة وخروجه لا يفسد الصيام على القول الراجح.
وذلك لأنه لا يوجب الغسل فأشبه البول. ولأن الأصل صحة الصيام، وإبطاله يحتاج إلى دليل.
وهذا اختيار شيخ الإسلام، واللجنة الدائمة للبحوث والشيخ محمد بن عثيمين.
8- ذوق الطعام: لا يفسد الصيام ما لم يصل إلى الحلق وذلك لأنه ليس بأكل ولا شرب والحاجة داعية إليه.
9- إذا طار إلى الحلق غبار أو ذباب أو دقيق أو دخان أو بنزين ونحو ذلك بلا قصد لا يفسد صومه لمشقة التحرز عن ذلك.
10- خروج الدم: بنحو جرح أو رعاف أو انقلاع ضرس فهذا لا يفسد الصيام لأنه لا يدخل تحت الاختيار ولأن الأصل صحة الصوم.
أما نقل الدم إلى شخص فإنه يفسد الصيامº لأن ذلك يقوم مقام الطعام والشراب في نفع البدن.
11- القطرة في الأذن: لا تفسد الصيام على الصحيح لأن الأذن ليست منفذاً إلى الجوف كالعين.
وهذا اختيار شيخ الإسلام، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، رحمهم الله –تعالى-.
12- بلع الريق: لا يفسد الصيام.
13- الاغتسال: لا يفسد الصيام بالاتفاق.
14- الادهان: في أي موضع من البدن لأن الزيوت والأدهان لا تصل إلى الجوف وإن امتصها الجلد.