إنكار حديث فضل صيام يومي عرفة وعاشوراء

28/03/2022
تحميل المقال
إنكار حديث فضل صيام يومي عرفة وعاشوراء

مضمون الشبهة:


ينكر بعض المغرضين الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه - بشأن فضل صيام يومي عرفة وعاشوراء، والذي جاء فيه: «... فقال عمر: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر. أو قال: لم يصم ولم يفطر، قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: ويطيق ذلك أحد؟! قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: ذاك صوم داود عليه السلام، قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طوقت ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله».


ويزعمون أن الحديث ينتهي عند قوله صلى الله عليه وسلم: «فهذا صيام الدهر كله»، أما ما بعده، فهي زيادة غريبة ملصقة. ويستدلون على ذلك بـ:


  • عدمانسجامتلكالزيادةفينظرهممعماقبلها؛فلاواوعطفولاأداةاستثناءتربطبينتلكالزيادةوماسبقهامنكلام.
  • كماأنالنبي -صلىاللهعليهوسلم- لميسألعنصوميومعرفةأويومعاشوراء،كماسئلعماقبله؛فلامناسبةلذكرهماوالكلام عنهما.
  • كماأنتلكالزيادةتتناقضتناقضاظاهرامعأحاديثصحيحةأخرىفهممنهاأنرمضانإلىرمضانكفارةلمابينهمامااجتنبتالكبائر؛فكيفيكونصياميومنافلة - صياميومعرفة - عليهمنالأجرضعفأجرصيامرمضانكله؟!

أما الرواية الصحيحة فقد ذكرها الإمام النسائي، والتي تنتهي عند قوله صلى الله عليه وسلم: «فهذا صيام الدهر كله» دون تلك الزيادة الملصقة؛ مما يؤكد بطلانها ونكارتها. رامين من وراء ذلك إلى رد هذا الحديث الثابت، وتشكيك المسلمين في أحاديث فضل صيام يومي عرفة وعاشوراء.


وجها إبطال الشبهة:


1) إن حديث فضل صيام يومي عرفة وعاشوراء الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، حديث صحيح مستقيم لا زيادة فيه؛ فإسقاط حرف العطف بين الجمل أو الكلمات جائز في اللغة، بل يعتبر من بدائعها ولطائفها، وفي القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، وصنيع الفقهاء ما يشهد لذلك. كما أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن ليقتصر في الإرشاد على الإجابة عما يسأل عنه؛ ولكنه كان يستفيض في رده لما في ذلك من خير ومصلحة للأمة؛ بل قد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يطرح السؤال بنفسه على الحاضرين، ثم يجيب عنه.


2) ليس معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-في الحديث الصحيح: «... ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن...» أن فضل رمضان يقتصر على ذلك؛ بل إن الأحاديث الصحيحة الثابتة دلت على أن صيام رمضان يكفر ما تقدم من الذنوب مطلقا، بل إن الطاعة في ليلة من هذا الشهر خير من طاعة ألف شهر فيما سواه؛ ولذلك فلا شك في أن فضل صيام شهر رمضان يتعدى بكثير فضل صيام يوم عرفة الذي يكفر سنتين فقط.


التفصيل:


أولا. الحديث صحيح مستقيم، ولا زيادة فيه، ولا سبيل لإنكار جزء منه:


إن القول بصحة جزء من هذا الحديث ونكارة الجزء الآخر قول مردود لا يقوم به دليل، ولا تؤيده حجة؛ فالحديث كله صحيح مستقيم، ولا زيادة فيه؛ حيث رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة رضي الله عنه: «رجل أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رأى عمر -رضي الله عنه- غضبه قال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا. نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر -رضي الله عنه- يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه، فقال عمر: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر، أو قال: لم يصم ولم يفطر، قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: ويطيق ذلك أحد؟! قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: ذاك صوم داود -عليه السلام- قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طوقت ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»[1].


ولم يؤثر عن أحد من العلماء الثقات من نقاد الحديث وصيارفته أنه ضعف حديثا في صحيح مسلم أو جزءا من حديث، فلقد تلقت الأمة هذا الصحيح بالقبول، وأجمع علماؤها على صحة كل ما ورد فيه.


وهذا الحديث قد رواه أيضا أبو داود[2] في سننه بسند صحيح. أما عن رواية النسائي[3] لهذا الحديث دون ذكر فضل صيام يومي عرفة وعاشوراء - فهي أيضا صحيحة، لكن ليس معنى ذلك رد الحديث الآخر - الذي ذكر فضل صيام يومي عرفة وعاشوراء - الثابت في صحيح مسلم وسنن أبي داود كما يزعم مثيرو الشبهة، خاصة أنه لم ينقل عن أحد من أهل العلم - قديما وحديثا - شيء في ذلك، فمن أين أتوا به؟!


وقول مثيرو الشبهة: إن في الحديث زيادة ملصقة منكرة غير منسجمة مع ما قبلها - قول مردود، واستدلالهم بعدم وجود رابط ظاهر بين القولين على نكارة جزء من الحديث - استدلال منقوص؛ لأن حذف الرابط - خاصة حرف العطف - جائز في اللغة العربية، ويعد من خصائصها ولطائفها، وأمثلة ذلك كثيرة، منها:


  • قولرسولاللهصلىاللهعليهوسلم: «... تصدقرجلمنديناره،مندرهمه،منثوبه،منصاعبره،منصاعتمره...»الحديث[4].
  • مانقلمنقولبعضالعرب: أكلتخبزا،لحما،تمرا.
  • قولالشاعر:

كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ مما


يغرس الود في فؤاد الكريم[5]


كذلك وقع حذف العاطف في القرآن الكريم كثيرا، فالصفات - مثلا - إذا ذكرت في مقام التعداد، فتارة يتوسط بينها حرف العطف؛ لتغايرها في نفسها، وللإيذان بأن المراد ذكر كل صفة بمفردها، وتارة لا يتوسطها العاطف؛ لاتحاد موصوفها وتلازمها في نفسها، وللإيذان بأنها في تلازمها كالصفة الواحدة، وتارة يتوسطها العاطف بين بعضها ويـحذف مع بعض بحسب هذين المقامين، فإذا كان المقام تعداد الصفات من غير نظر إلى جمع أو انفراد حسن إسقاط حرف العطف، وإن أريد الجمع بين الصفات، أو التنبيه على تغايرها حسن إدخال حرف العطف، فمثال الأول قوله عز وجل: )التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر( (التوبة: ١١٢)، وقوله عز وجل: )عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا (5)( (التحريم). ومثال الثاني قوله عز وجل: )هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم (3)( (الحديد).


واجتمع النوعان في قوله عز وجل: )حم (1) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم (2) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول( (غافر)، فأتى بالواو في الوصفين الأولين وحذفها في الوصفين الآخرين... وكلما كان التغاير أبين كان العطف أحسن؛ ولهذا جاء العطف في قوله عز وجل: )هو الأول والآخر والظاهر والباطن(، وترك في قوله عز وجل: )الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن( (الحشر: ٢٣)[6].


ويجوز إسقاط حرف العطف من الآية عند الاستدلال بها، وهذا ظاهر في تصرف بعض الفقهاء، ومثال ذلك: ما أورده الإمام أحمد في مسنده عن سعيد بن جبير أن ابن عباس - رضي الله عنهما - حدثه قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ظل حجرة من حجره، وعنده نفر من المسلمين قد كاد يقلص عنهم الظل، قال: فقال: إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا أتاكم فلا تكلموه، قال: فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلمه، قال: علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟ نفر دعاهم بأسمائهم، قال: فذهب الرجل فدعاهم، فحلفوا بالله واعتذروا إليه، قال: فأنزل الله عز وجل: )فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون( (المجادلة: ١٨) الآية»[7].


وقد علق العلامة أحمد شاكر على هذا الحديث بقوله: وفي هذه الرواية دليل على جواز حذف حرف العطف ونحوه عند الاستشهاد بآية، إذا لم يكن مغيرا لمعنى الكلام، فإن تلاوة هذه الآية - يعني التي ذكرت في الحديث: )يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون (18)((المجادلة)[8].


وعليه، فحذف الرابط في الحديث الذي معنا من هذا القبيل، فلا حجة للمغرضين فيما ذهبوا إليه.


أما عن ادعائهم أنه لا مناسبة لذكر زيادة فضل صيام يومي عرفة وعاشوراء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يسأل عن صوم هذين اليومين، فذلك استدلال ظاهر البطلان؛ لسببين:


الأول: أن لهذا الحديث شاهدا آخر سئل فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صومهما، وقد أورده الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- وهي رواية لأحمد والبيهقي - قال: «... وسئل عن صوم يوم الاثنين؟ قال: ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت - أو أنزل علي - فيه... وسئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: يكفر السنة الماضية والباقية، قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يكفر السنة الماضية»[9].


وقد أورده الإمام المنذري في "الترغيب والترهيب" عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة خلفه، ومن صام يوم عاشوراء غفر له سنة»[10].


ومن خلال ما سبق يتبين أن السؤال المفقود في الرواية عن صوم يومي عرفة وعاشوراء قد بينته رواية أخرى لمسلم.


الثاني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن لينتظر السؤال كي يرشد أو يبين؛ فلم تكن هذه سنته صلى الله عليه وسلم، بل كان كثيرا ما يخبر بما يزيد على إجابة السائل؛ لما فيه من خير ومصلحة لسائر المسلمين، ومثال ذلك: ما أخرجه الإمام مسلم من حديث ابن عباس قال: «رفعت امرأة صبيا لها، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر»[11]، فسؤال المرأة هنا كان يمكن الجواب عنه بكلمة واحدة: نعم، ولكن زاد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ولك أجر"؛ لكي يشجع ويحث على المسارعة في فعل الخيرات.


بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبادر بطرح سؤال ما، ويجيب عنه ليعلم أصحابه شيئا أراده، أو ينهاهم عن شيء كرهه، ومثال ذلك: ما أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار»[12].


وذكر صوم يومي عرفة وعاشوراء في حديث أبي قتادة ليس بشاذ بالنسبة لـما تحدث عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول الحديث، بل هو تابع لنفس الكلام وفي نفس موضوعه، فالكلام في صوم النوافل، وصوم عرفة وعاشوراء من النوافل أيضا، ولم يكن الكلام في البيوع أو الطهارة مثلا، ثم انتقل إلى الصوم, بل إن الحديث من أوله إلى آخره - كما ذكره الإمام مسلم في بيان صوم بعض النوافل - لم يخرج عن هذا الموضوع.


وخلاصة القول: أن هذا الحديث صحيح ولا زيادة فيه، ولا يعني عدم وجود أداة ربط بين الجملتين في الحديث أن أىتهما مردودة؛ فذلك ضرب من أساليب لغتنا العربية، وقد ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة ما يشهد بوجوده، وكان ذلك أيضا من صنيع الفقهاء في استدلالاتهم، كما أنه ليس بالضرورة أن يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أمر حتى يوجه ويرشد إليه، بل إن السنة الصحيحة قد دلت على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يستفيض في إرشاده وتوجيهه؛ لمزيد من البيان والخير للمسلمين، حتى إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يطرح السؤال بنفسه على الصحابة، ثم يتناول الإجابة عنه.


ثانيا. فضل صوم شهر رمضان يفوق فضل صيام يوم عرفة بكثير، والأحاديث الصحيحة تدل على ذلك:


أما ادعاؤهم أن هذا الحديث يجعل صيام يوم عرفة يعادل في الأجر ضعف صيام رمضان كاملا، واستدلالهم على ذلك بما جاءت به بعض الأحاديث الصحيحة من أن رمضان إلى رمضان مكفر لما بينهما، ما اجتنبت الكبائر، فدل ذلك على أن صوم شهر رمضان كاملا يكفر عاما تقريبا، بينما هذا الحديث يجعل صيام يوم عرفة - وهو نافلة - يكفر ذنوب عامين كاملين، فذلك ادعاء باطل، وهذا استدلال فاسد.


بداية، نقول: إن الأحاديث الدالة على أن رمضان إلى رمضان مكفر لما بينهما أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن، إذا اجتنب الكبائر»[13].


وليس معنى ذلك أن صوم شهر رمضان يكفر تلك المدة فقط، وليس له من أجر عدا ذلك؛ لأن الأحاديث يكمل بعضها بعضا، فقد أكدت أحاديث أخرى ثابتة أن صيام شهر رمضان يكفر ما تقدم من ذنوب، دون تحديد لسنة أو سنتين، فقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»[14].


وليس هذا فحسب، بل إن ليلة في هذا الشهر تعادل ألف شهر ليس فيها هذه الليلة، فقد نوه القرآن الكريم، ونوهت السنة النبوية بفضل ليلة القدر، وأنزل الله -عز وجل- فيها سورة كاملة: )إنا أنزلناه في ليلة القدر (1) وما أدراك ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خير من ألف شهر (3) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر (4) سلام هي حتى مطلع الفجر (5)( (القدر).


وقد عظم القرآن شأن هذه الليلة، فأضافها إلى القدر؛ أي: المقام والشرف، وأي مقام وشرف أكثر من أن تكون خيرا وأفضل من ألف شهر؛ أي الطاعة والعبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر ليست فيها ليلة القدر، وألف شهر تساوي ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر؛ أي أن هذه الليلة الواحدة أفضل من عمر طويل يعيشه إنسان عمره ما يقارب مائة سنة، إذا أضفنا إليه سنوات ما قبل البلوغ والتكليف، وهي ليلة تتنزل فيها الملائكة برحمة الله وسلامته وبركاته، ويرفرف فيها السلام حتى مطلع الفجر[15].


وقد جاء في فضل تلك اللية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:«من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»[16].


وتأسيسا على ما سبق، فإنه لا تصح المقارنة بين فضل صيام يوم عرفة، وفضل صيام شهر رمضان؛ فصوم رمضان فريضة مقدسة وعبادة من عبادات الإسلام الشعائرية الكبرى، وركن من الأركان العملية التي بني عليها هذا الدين، ومن فرط في تلك الفريضة فقد خرج من زمرة المسلمين، أما من لم يصم يوم عرفة فلا إثم عليه؛ لأنه ليس بفرض ولا واجب؛ بل هو مستحب.


فصوم رمضان له من الفضل العظيم والأجر الجزيل، الذي يجعل فضله أعلى وأعظم من فضل صيام يوم عرفة الذي يكفر سنتين؛ فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد اقتصر هنا على تكفير ما يقرب من سنة واحدة بصيام شهر رمضان، فإنه لا يلزم من ذلك أنه ليس له فضل في تكفير ذنو ب أكثر من ذلك؛ إذ الأحاديث الثابتة الأخرى جاءت بعظيم فضله، ولا يجرنا هذا لإنكار فضل صيام يومي عرفة وعاشوراء، أو التقليل من هذا الفضل، ففضل صيامهما ثابت بالسنة الصحيحة، كالحديثين المذكورين في صحيح مسلم، واللذين يثبتان عظيم فضل صومهما، ولكن هذا الفضل لا يتعدى بحال - كما ذكرنا - فضل صيام شهر رمضان.


الخلاصة:


  • إنحديثالسؤالعنصيامالدهرالذيأوردهالإماممسلمفيصحيحه،والذيجاءفيهذكرفضلصياميوميعرفةوعاشوراء - حديثصحيحمستقيم،ولامطعن فيه.
  • إنقولالنبيصلىاللهعليهوسلم:«صياميومعرفةأحتسبعلىاللهأنيكفرالسنةالتيقبلهوالسنةالتيبعده...»منسجمتماماومتسقمعماقبلهمنكلام؛فلميكنالكلامفيباب،ثمانتقلمنهإلىبابآخر،فالكلامكلهفيصيامالنوافل.
  • إنإسقاطحرفالعطفجائز في اللغة، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية شواهد لذلك؛ منها قوله عز وجل: )التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون( (التوبة: ١١٢)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «... تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره...» الحديث.
  • لميكن توجيه النبي وإرشاده بشأن أمر ما مشروطا بسؤاله -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن ليقتصر في جوابه على موضع السؤال؛ بل كان -صلى الله عليه وسلم- يستفيض فيما هو متعلق بالسؤال؛ لما في ذكره من فائدة، كما أنه كثيرا ما كان يطرح السؤال بنفسه ويجيب عنه، قاصدا من وراء ذلك تعليم المسلمين وإرشادهم.
  • لقدروىالإماممسلمفيصحيحهحديثاآخر،جاءفيهأنالنبي -صلىاللهعليهوسلم- سئلعنصوميومعرفةويومعاشوراء،وهذايوضحالروايةالأولى - المطعونفيها - ويؤيدها.
  • إنمنميزاتالسنةالنبويةالصحيحةأنأحاديثهايكملبعضهابعضا؛ فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بين في أحاديث ثابتة أن رمضان إلى رمضان مكفر لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فإنه -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر في أحاديث ثابتة أخرى أن صيام شهر رمضان يكفر ما تقدم من ذنوب قد ارتكبها الصائم؛ فصيام شهر رمضان له من الخير الكثير والعطايا الوفيرة ما يجعل فضله يتعدى فضل صيام يوم عرفة - الذي يكفر سنتين - بكثير، ويكفي اشتماله على ليلة القدر التي تساوي العبادة فيها عبادة ثلاثة وثمانين عاما وزيادة.

(*) دور السنة في إعادة بناء الأمة، جواد موسى محمد عفانة، جمعية عمال المطابع التعاونية، الأردن، ط1، 1419هـ/ 1999م.


[1]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيام، باب: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم عرفة وعاشوراء والإثنين والخميس، (4/ 1816)، رقم (2700).


[2]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الصيام، باب: في صوم الدهر تطوعا، (7/ 54: 56)، رقم (2422). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (2425).


[3]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الصيام، باب: صوم ثلثي الدهر وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك، (1/ 384)، رقم (2399). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (2387).


[4]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الزكاة، باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة... (4/ 1643، 1644)، رقم (2313).


[5]. النحو الوافي، عباس حسن، دار المعارف، القاهرة، ط8، 1987م، (6/ 640).


[6]. بدائع الفوائد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: هشام عبد العزيز، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1416هـ/ 1996م، (3/ 560).


[7]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، (4/ 131)، رقم (2407). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.


[8]. المسند، أحمد بن حنبل، تحقيق: أحمد شاكر، دار المعارف، مصر، 1369هـ/ 1950م، (4/ 131) بتصرف.


[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيام، باب: استحباب صوم ثلاثة أيام من كل شهر... (4/ 1817)، رقم (2701).


[10]. صحيح لغيره، ذكره المنذري في الترغيب والترهيب، (2/ 68)، رقم (1520). وقال: رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. وقال عنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1013): صحيح لغيره.


[11]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: صحة حج الصبي وأجر من حج به، (5/ 2088)، رقم (3196).


[12]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، (9/ 3706)، رقم (6457).


[13]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة... (2/ 741)، رقم (541).


[14]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابا من الإيمان، (1/ 115)، رقم (38). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، (3/ 1344)، رقم (1750).


[15]. تيسير الفقه في ضوء القرآن والسنة: فقه الصيام، د. يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 1414هـ، ص129، 130 بتصرف.


[16]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضل ليلة القدر، باب: فضل ليلة القدر، (4/ 300)، رقم (2014). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، (3/ 1344)، رقم (1750).