توهم صحة حديث "استقبال شهر الصيام"

28/03/2022
تحميل المقال
توهم صحة حديث "استقبال شهر الصيام"

مضمون الشبهة:


يدعي بعض الواهمين صحة حديث استقبال شهر الصيام الذي روي من طريق زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي قال: «خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر يوم من شعبان فقال: يا أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيام نهاره فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء، قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، قال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له، وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم، فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما، فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة».


وجه إبطال الشبهة:


  • هذاالحديثضعيفمنناحيةالسندوالمتن،فضعفسندهيرجعإلىضعفأحدرواته،وهوعليبنزيدبنجدعان،إذلايحتجبحديثه،كماأنفيالسندانقطاعا. وأماضعفمتنهفلنكارة بعض معانيه، بالإضافة إلى أن هناك كثير من الأحاديث الصحيحة التي رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كيفية استقبال رمضان والاستعداد له، تغني عن هذه الأحاديث الضعيفة.

التفصيل:


لقد بين العلماء أن الحديث[1] الذي ذكره الواهمون في استقبال شهر رمضان حديث ضعيف سندا ومتنا.


فأما ضعفه سندا فذلك بسبب وجود علي بن زيد بن جدعان فيه، وهو ضعيف:


وهذه بعض أقوال العلماء في علي بن زيد بن جدعان:


قال ابن سعد: كان كثير الحديث، وفيه ضعف ولا يـحتج به. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: ليس بالقوي، وقد روى عنه الناس. وقال عبدالله بن أحمد: سئل أبي: سمع الحسن من سراقة، فقال: لا، هذا علي بن زيد، يعني: يرويه، كأنه لم يقنع به. وقال أحمد: ليس بشيء، وقال حنبل عن أحمد: ضعيف الحديث.


وقال حماد بن زيد: كان علي بن زيد يحدثنا اليوم بالحديث، ثم يحدثنا غدا فكأنه ليس ذلك. وعن عمرو بن علي قال: كان يحيى بن سعيد يتقي الحديث عن علي بن زيد، حدثنا عنه مرة، ثم تركه، وقال: دعه.


وعن عباس الدوري عن يحيى بن معين قال: علي بن زيد بن جدعان: ليس حجة. وعن عبد الرحمن قال: سألت أبي عن علي بن زيد قال: ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به.


وقال العجلي: كان يتشيع، وليس بالقوي، وقال أبو حاتم: لا يحتج به[2].


وقال ابن حبان: "كان شيخا جليلا، وكان يهم في الأخبار، ويخطئ في الآثار، حتى كثر ذلك في أخباره، وتبين فيها المناكير التي يرويها عن المشاهير، فاستحق ترك الاحتجاج به"[3].


هذا هو حال علي بن جدعان راوي الحديث عن سعيد بن المسيب، فلا يصح الاحتجاج بحديثه.


وقد أورد هذا الحديث الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة"، وقال: منكر، رواه المحاملي في "الأمالي" (ج5 رقم 50)، وابن خزيمة في صحيحه برقم (1887) والسياق له - عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر يوم من شعبان فقال: فذكره.


قلت: وهذا سند ضعيف من أجل علي بن زيد بن جدعان، فإنه ضعيف، كما قال أحمد وغيره، وبين السبب الإمام ابن خزيمة، فقال: "لا أحتج به لسوء حفظه"؛ ولذلك لما روى هذا الحديث في صحيحه قرنه بقوله: "إن صح الخبر"، وأقره المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/ 67)، وقال: "إن البيهقي رواه من طريقه".


ومن هنا نجد أن إخراج ابن خزيمة لمثل هذا الحديث في صحيحه إشارة قوية إلى أنه قد يورد فيه ما ليس صحيحا عنده منبها عليه، وقد جهل هذه الحقيقة بعض من ألف أو كتب، فيقولون: رواه ابن خزيمة في صحيحه، وصححه.


وهذا يقال إذا لم يقفوا على كلمة ابن خزيمة عقب الحديث، أما إذا كانوا قد وقفوا عليها، فهو كذب مكشوف على ابن خزيمة[4]!


كما أن في سند الحديث علة أخرى وهي الانقطاع، إذ "لم يسمع سعيد بن المسيب من سلمان الفارسي"[5].


وبهذا يتضح أن هذا الحديث ضعيف الإسناد، فلا يحتج به في هذا الباب؛ وذلك لوجود علتين قادحتين فيه، هما: انقطاع سنده، وضعف أحد رواته، وهو علي بن زيد بن جدعان فيه.


وأما ضعفه متنا فيوضحه ما يأتي:


لقد حكم المحدثون على متن هذا الحديث بالنكارة؛ وذلك لما اشتمل عليه من عبارات في ثبوتها نظر، من ذلك ما يأتي:


1.ورد في الحديث: «من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه» لا دليل عليه، بل إن النافلة نافلة، والفريضة فريضة في رمضان وغيره.


2.كما ورد فيه أيضا: «من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه». وفي هذا التحديد نظر؛ إذ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف في رمضان وغيره، ولا يـخص من ذلك إلا الصيام، فإن أجره عظيم، دون تحديد بمقدار؛ للحديث القدسي:«قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به...» الحديث[6].


3.تقسيم الشهر قسمة ثلاثية: العشر الأولى "عشر الرحمة"، ثم "المغفرة"، ثم "العتق من النار"، وهذه القسمة لا دليل عليهم؛ فإن فضل الله واسع، ورمضان كله رحمة ومغفرة، ولله عتقاء من النار في كل ليلة، وعند الفطر، كما ثبتت بذلك الأحاديث[7].


بالإضافة إلى ما سبق، فإن هناك كثير من الأحاديث الصحيحة التي رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تغني عن هذه الأحاديث الضعيفة في هذا الباب، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبشر أصحابه برمضان بشرى التشويق ببركاته، والتشوق لرحماته في كل ساعاته وأوقاته، فيقول لهم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»[8].


ومن هذا أيضا أخبار بين فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن صوم رمضان كفارة للخطيئات، فكان يأمر أصحابه بالاستعداد والتجهز له؛ لجعله شهر غفران الذنوب بقوله: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه...» الحديث[9].


ومن الأحاديث التي رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كيفية استقبال رمضان، قوله:«لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم»[10].


ويقول صلى الله عليه وسلم: «الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين»[11].


قال ابن حجر: "أي: لا يتقدم رمضان بصوم يوم يعد منه بقصد الاحتياط له، فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف"[12].


وقال العلماء: معنى الحديث: لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان[13].


وقال الترمذي بعد أن أخرجه: "والعمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان، وإن كان رجل يصوم صوما فوافق صيامه ذلك، فلا بأس به عندهم"[14].


وعليه، فإن المتأمل في هذه الأحاديث يرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يترك شيئا في توضيح كيفية استقبال رمضان وتوضيح صيامه إلا بينه.


وليس هذا فحسب، فقد وضح النبي - صلى الله عليه وسلم - بداية الصيام وبداية الإفطار فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له»[15].


كما أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يبشر بقدوم رمضان، ويبين فضله كما في قوله: «أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم»[16].


فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر أصحابه بهذا الشهر العظيم، ويخبرهم بأن رمضان يحل علينا ضيفا، يكرمنا إذا أكرمناه، فتحل بحلوله البركات والخيرات، يقدم علينا؛ فيقدم إلينا أصنافا عن الإتحافات والنفحات... ضيف لكنه مضيف، وربما يكون الواحد منا في ضيافته للمرة الأخيرة، أو ربما ينزل هو في ضيافته غيرنا بعد أعمار قصيرة... فهلا أكرمنا ضيفنا! وهلا تعرضنا لنفحات مضيفنا[17]!


وبهذا يتضح أن هناك العديد من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في استقبال رمضان، التي تغني عن هذه الأحاديث الضعيفة التي استدل بها الواهمون في هذا الباب.


الخلاصة:


  • لقدبينالعلماءأنحديثعليبنزيدبنجدعانفياستقبالشهرالصيام - حديثضعيفسندا؛بسببوجودانقطاعفي سنده؛ حيث لم يسمع سعيد بن المسيب من سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، وكذا لضعف حال أحد راوته، وهو علي بن زيد بن جدعان، فقد أجمع علماء الجرح والتعديل على ضعفه وعدم الاحتجاج به، من ذلك قول ابن سعد: كان كثير الحديث، وفيه ضعف، ولا يحتج به.
  • لقدأكدالشيخالألباني على ضعف حديث علي بن زيد بن جدعان، وحكم عليه بالنكارة، وإن كان الحديث في صحيح ابن خزيمة؛ فإنه قد نبه على ضعفه، وقال: إن صح الخبر.
  • وأمامتنهفإنهلايصحأيضا؛فقدحكمالمحدثونعليهبالنكارة؛وذلكلمااشتملعليهمنعباراتفيثبوتهانظر،منذلكتقسيمالشهر قسمة ثلاثية: العشر الأولى "عشر الرحمة"، ثم "المغفرة"، ثم "العتق من النار"، وهذه القسمة لا دليل عليها؛ فإن فضل الله واسع، ورمضان كله رحمة ومغفرة، ولله عتقاء من النار في كل ليلة، وعند الفطر، كما ثبتت بذلك الأحاديث.
  • إنالنبي - صلىاللهعليهوسلم - قد بين في كثير من أحاديثه الصحيحة كيفية استقبال شهر رمضان والاستعداد له، مع بيان فضله، فلماذا نأخذ بالضعيف ونترك الصحيح؟!

(*) دفاع عن السنة المطهرة، د. علي إبرهيم حشيش، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م.


[1]. منكر: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب: الصيام، باب: فضائل شهر رمضان إن صح الخبر، (3/ 191)، رقم (1887). وقال الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (871): منكر.


[2]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (7/ 284) بتصرف.


[3]. كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، ابن حبان، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، ط2، 1402هـ، (2/ 103).


[4]. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1420هـ/ 2000م، (2/ 263) بتصرف.


[5] . فتاوى الإسلام سؤال وجواب، محمد صالح المنجد، ملتقى أهل الحديث، (1/1969).


[6]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: هل يقول: إني صائم إذا شتم؟ (4/ 141)، رقم (1904). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام، (4/ 1798)، رقم (2663).


[7]. فتاوى الإسلام سؤال وجواب، محمد صالح المنجد، ملتقى أهل الحديث، (1/1969) بتصرف.


[8]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعا، (4/ 135)، رقم (1899). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيام، باب: فضل شهر رمضان، (4/ 1721)، رقم (2456).


[9]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية، (4/ 138)، رقم (1901). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافرين، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، (3/ 1344)، رقم (1750).


[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين، (4/ 152)، رقم (1914).


[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا"، (4/ 143)، رقم (1907).


[12]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (4/ 152).


[13]. نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان، د. سيد حسين العفاني، دار الصحيفة، القاهرة، ط4، 1420هـ/ 1999م، ص476 بتصرف.


[14]. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (3/ 296).


[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا"، (4/ 143)، رقم (1906). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيام، باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال...، (4/ 1723)، رقم (2459).


[16]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الصيام، باب: ذكر الاختلاف على معمر فيه، (1/ 347)، رقم (2118). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (2106).


[17]. انظر: روح الصيام ومعانيه، د. عبد العزيز مصطفى كامل، مركز الأجيال للأبحاث، القاهرة، ص100 بتصرف.